هاجر ... أمة ضعيفة لا حول لها ولا طول ، جاءت بها السيدة سارة ، زوجة إبراهيم (ع) من مصر الى أرض كنعان .
هى أم اسماعيل ، وجدة محمد(ص) وأم المسلمين بعد حواء .
وإن اختيار الله تعالى """ هاجر """ زوجة لابراهيم له قصة خالدة ما بقيت السموات والأرض.فهى تحكى لنا قصة الحب الخالص من كل شؤائب الأرض وأدارنها ...
ونادى جبريل (ع) ، من قبل الله سبحانه ، ابراهيم ليستمع الى زوجته ""ساره "" فى شأن هاجر ، السمراء ، الساجدة ، العابدة ، الناسكة ، المحبة التقية .
وأفل الشيطان وخنس يضرب وجهه ويمزق قلبه فقد عقدت السماء زواج ابراهيم الخليل بهاجر هدية سارة اليه .
وعاشت هاجر فى بيت النبوة ، زوجة معطاءة محبة ،و أختاأليفة ودودة ....
وولدت اسماعيل ، وشاءت إرادة الله ، جلت حكمته ، أن تحمل رضيعها الى البيت الحرام ، ليخلدها الله بذكر
خطواتها الاولى عند أول بيت وضع للناس فى مكة المكرمة .
وترك ابراهيم ""هاجر "" وولدها ومكة وقتذاك مقفرة خلاء ، وترك معهما تمر وسقاء ، وهم بالرجوع من حيث جاء .وتضرعت اليه هاجر دون جدوى ، وانصرف لا يلوى على شىء ، وأخبرها أنه إنما يمتثل لأمر الله ، فقالت هاجر فى استسلام خاشع : إذن فالله لا يضيعنا (الروض الأنف ، أبى القاسم السهيلى)
وأنداك رفع وجهه إلى السماء يبتهل الى الله قائلا : ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ، ربنا إنك تعلم ما تخفى وما نعلن وما يخفى على من شى ء فى الارض ولا فى السماء .(ابراهيم ، 37و38)
و استأنف مسيره عائدا الى زوجته ساره فى أرض كنعان .
نفدت مؤونة هاجر ، وكان عليها أن تبحث عن الماء فى هذه الصحراء القاحلة ، ونظرت فاذا "الصفا"" أدنى الجبال الى الارض ، فاعتلته ، لعلها تجد فى الوادى من يعينها فى الحصول على الماء ، لتروى به ظمأ ولدها الصغير ، فلم تجد الا الوحشة والصمت الرهيب ... فهرولت تسعى قاصدة جبل المروة وصعدت عليه علها ترى أثرا من حياة ، وجل همها الحصول على الماء لتروى ظمأ ولدها الصغير ... الذى يمزق قلبها ويفرى كبدها ....
وأجهدها السعى بين الصفاوالمروة شوطا بعد شوط بحثا عن الماء ، حتى نال منها التعب والإعياء ، فتهاوت على الأرض مستسلمة لقضاء الله فيها وفى ولدها ...
وأمسك الكون أنفاسه ، ولم يبق من صوت سوى لهاث المحتضر وأنين أمه ، يتردد صداهما فى البلقع القفر وبينما الحال كذلك ، إذمرت رفقه من جرهم مقبلة من طريق كداء تريد الشام ، فنزلوا فى أسفل مكة فرأوا طيرا فقالوا : إن هذا الطير لحائم على ماء ، وأرسلوا دليلهم ، فعاد ومضى بهم الى حيث كانت هاجر وولدها عند النبع االمبارك ، فقالوا لها : إن شئت كنا معك فانسناك والماء ماؤك ، فأدنت لهم ، فنزلوا معها ....
وكانت ""زمزم "" فجرها رب العالمين وأرحم الراحمين تخليدا لهاجر وتطييبا لخاطرها ، وتحول الوادى الأجرد الموحش الى واد مونس ملىء بالخيرات .
وقدس الله مسعى هاجر بين الصفاوالمروة ، فصار شعيرة من شعائر المسلمين ، يسعون بينهما ويتوجهون كلما علو أحدهما الى الله يدعونه أن ينزل عليهم من خيراته ورحماته وبركاته ماأنزله على هاجر ، فأحياها بعد موات وأغناها بعد فقر وجعل من ذريتها سيدالمرسلين وخاتم النبين محمد (ص) ولقد بارك الله لها فى ولدها اسماعيل ، فجعله نبيا ومن الصالحين وكرمه بالاشتراك مع أبيه ابراهيم فى رفع القواعد من البيت .
وفى جوار البيت العتيق شب إسماعيل ، فلما بلغ مبلغ السعى جاءه أبوه فقص عليه رؤياه، فاستجاب اسماعيل لأمر ربه امتثالا وطاعة ، وقال لأبيه أن يفعل ما أمره الله به..أن هذا لهو البلاء المبين ، وبينما يهم ابراهيم بذبح ولده اذلاح له كبش عظيم يذبحه فدية لولده الصابر ، وكذلك يجزى الله المحسنين الطائعين ....
ويصور لنا القران الكريم هذا الحدث فى أروع بيان ، فى قوله تعالى : فبشرنه بغلم حليم ، فلما بلغ معه السعى قال يبنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فأنظر ما ذا ترى قال يأبت أفعل من تؤمر ستجد نى إن شاء الله من الصبرين ، فلما أسلما وتله للجبين ، وندينه أن يابراهيم، قد صدقت الرويا إنا كذلك تجزى المحسنين إن هذالهو البلوا المبين ، وفدينه بذبح عظيم ، وتركنا عليه فى الاخرين ، سلم على ابراهيم ، كذلك نجزى المحسنين ,
ويأمر الله تعالى إبراهيم أن يؤذن فى الناس بالحج ، وقد استجاب الله عزوجل لدعاءهما فبعث فى ذريتهما من يتلو عليهم ايات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ، بعث فى ذريتهما رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام ، صفوة من صريح ولد إسماعيل بن ابراهيم من السيدة هاجر أم العرب العدنانية ، التى دخلت التاريخ الدينى بهموم أموتها .
وتلك لعمرى هى ذروة سنام الخير للبشرية كافة قيض الله لها إبراهيم وهاجر وولدهما إسماعيل ، وأراد لهاجر أن تكون ذروة سنام هذا الأمر ، فمهمتها كانت أجل المهمات فقد واجهت وحدها البقاء فى الوادى حيث لا زرع فيه ولا ماء مع وليدها إسماعيل منتصرة على كل عواطف الأمومة الجياشة ، متوكلة على ربها أصدق التوكل ، مؤمنة أعمق الايمان بأنه الرحمن الرحيم لن يتخلى عنها ، مولية وجهها اليه تدعوه فيستجيب لها ، ويجمع من حولها هى ووليدها الناس ، ليعمر الوادى ويبنى البيت وتتحد مشاعر المسلمين فى كل أنحاء الارض حول هذا البيت العتيق (تراجم سيدات بيت النبوة ، د.عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء )
المصدر: المرأة فى القران والسنة ، خالد عبد الرحمن العك